افتتاحية جريدة آزادي بقلم رئيس التحرير
من الواضح أن النظام السوري يشهد حالة من القلق والتلكؤ في سياسته ، فهو يتردد بين التصدي الحازم لبعض القوى الدولية والإقليمية و بين التجاوب مع متطلبات المرحلة بما هي تفاعل حر مع المجتمع الدولي واندماج في مشروعه الكوني من أجل التغيير والتحول الديمقراطي ، وبين التهرب من استحقاقات الوضع الداخلي بما تعني الإصلاحات السياسية باتجاه الانفتاح على القوى الوطنية والديمقراطية في البلاد ، وتوفير مستلزمات بناء دولة الحق والقانون التي تبنى على أسس ومبادئ عصرية من أبرزها إطلاق الحريات الديمقراطية ،، والإفراج عن معتقلي الرأي والموقف السياسي ، وإلغاء القوانين والمحاكم الاستثنائية ورفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية ، وإنهاء سياسة الاضطهاد القومي والغبن الذي لحق بالشعب الكردي وإنصافه ، والتجاوب مع المجتمع السوري وتطلعاته المشروعة في حياة سياسية جديدة تمتاز بالديمقراطية والتعددية الحقيقية سياسيا وقوميا ودينيا وتحقيق مبدأ التضامن والتداول السلمي للسلطة ..الخ..
ولئن تزعم دبلوماسية النظام والأوساط القريبة منه، أنها قد نجحت في تحقيق فك جوانب من العزلة الخانقة التي فرضت على سوريا عربيا ودوليا ، سواء لمساعي إعادة العلاقات مع السعودية ولبنان ، أو لجانب مساعيها في التفاهم مع أمريكا وبعض دول الاتحاد الأوربي ، وجهودها في توثيق تحالفاتها الإقليمية وخصوصا مع إيران وتركيا ، لكن تبقى المساعي والجهود تلك - بنظر بعض القوى العظمى - في نطاقها المحدود ومجالها التكتيكي ما لم تأخذ مداها الحقيقي في المساهمة لوضع الترتيبات الضرورية لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة ، وانعكاس ذلك إيجابيا على الوضع الداخلي بما يعني احترام حقوق الإنسان وضمان الحريات العامة في البلاد ..ولا تقف المزاعم عند هذا الحد ، بل تذهب أبعد من ذلك حين تدعي أن القيادة السياسية في المرحلة السابقة كانت تركز جل اهتمامها في العلاقات الدولية وما تخلقها الدول الغربية لها من مشاكل تلهيها عن الشأن الداخلي ، وترى اليوم أنها قد تمكنت من وضع ترتيبات السياسة الخارجية ، من حيث الانفراج والارتياح وتجديد العلاقة مع أمريكا ، والعمل من أجل توفير الأجواء اللازمة للتوقيع النهائي على الشراكة الأورو متوسطية ، والعمل من أجل إحداث تحول إيجابي في علاقات إيران مع العديد من الدول العربية ، والعمل على بناء الثقة مع الغرب حيال ملفها النووي ، واستكمال التحالف الاستراتيجي مع تركيا ، كما أكدت على تعزيز العلاقة بين دمشق وكل من بيروت وبغداد ، ولتعود – برأيها - سوريا دولة رئيسة في الشرق الأوسط ، تسخر إمكانياتها في مصلحة فلسطين والجولان المحتل ..الخ ، على أن تعود بعدها القيادة السياسية لتتفرغ للوضع الداخلي ، ولتستكمل الإصلاحات الاقتصادية المزعومة ، وتحقق التقدم الملموس على المستوى المعيشي والخدمي بأشواط واضحة ، وتليها بالإصلاحات السياسية في إشارة إلى قرارات سيتخذها المؤتمر القطري القادم لحزب البعث الحاكم ، بما يحقق التنمية والتقدم والتطور ..إلا أن الواقع ، لا يشير البتة إلى بوادر توحي بشيء في هذا المجال ، ولا يعطي أية دلائل أو مؤشرات في هذا الاتجاه ، ولا حتى مقدمات ضرورية في هذا الشأن ، بل خلاف ذلك إن لم نقل العكس تماما ، سواء من حيث الوضع الاقتصادي وانعكاسه على الجانب الاجتماعي والمعيشي ، أي أنه يتحول من السيئ إلى الأسوأ ، في عموم جوانبه بدءا بالبطالة وضيق فرص العمل وتحول شرائح واسعة من المجتمع إلى دون خط الفقر ، هذا إلى جانب ظواهر الفساد المستشري في مؤسسات الدولة ودوائرها وشركاتها من تسيب ومحسوبية واختلاس الأموال العامة والارتشاء، وتفشي أنواع الجريمة في المجتمع من قتل وسلب وسرقات واغتصاب ، والاتجار بالمخدرات وتعاطيها ، وتزوير العملة السورية والأجنبية ، هذا إلى جانب الزيادة المفرطة في الأسعار التي لا تناسبها أجور ذوي الدخل المحدود بأي شكل من الأشكال ..
أما الجانب السياسي ، فلاشك هو الأكثر سوءا والأكثر مضاء ، فأجهزة القمع على أشدها ، بل ازداد إطلاق يدها في مقدرات البلاد وعلى رقاب العباد ، والمحاكم الاستثنائية وحالة الطوارئ والأحكام العرفية لا تزال قائمة رغم مضي عقود خلت على سريانها ، وسجون النظام تعج بمعتقلي الرأي والموقف السياسي ، وسياسة القمع وكم الأفواه مستمرة تجاه عموم المعارضة الوطنية ، إلى جانب السياسة الشوفينية المتصاعدة والاضطهاد القومي المتزايد بحق أبناء الشعب الكردي ، وذلك عبر إصدار المزيد من القوانين والقرارات والمراسيم المجحفة بحقه ، أي أن الواقع الفعلي يفند كل تلك الإدعاءات والمزاعم التي هي أشبه بذرّ الرماد في العيون ، أو أنها من قبيل تخدير المجتمع و إلهائه ، بغية تمرير سياساته وتحقيق المزيد من أهدافه ومصالحه ولو على حساب الجماهير ومصالح البلاد العليا ..
من هنا ، وأمام واقع جديد ، عبر مرحلة تمتاز بتداخلاتها وتشابكاتها المعقدة ، ووسط مخاطر جمة مباشرة قد تحدق بالبلاد ، فإننا نرى بأن القوى الوطنية الديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني ولجان ومنظمات حقوق الإنسان والجماهير العريضة في البلاد على مختلف مشاربها وانتماءاتها القومية والدينية والسياسية مدعوة إلى التكاتف والتلاحم من أجل بناء تحالفات وطنية عريضة تمارس العمل النضالي ميدانيا ، على طريق التغيير السلمي الديمقراطي ، وبناء حياة سياسية جديدة وفق أسس ديمقراطية تكفل الحريات العامة ، وتبيض السجون من الاعتقال السياسي، وتحقق العدل والمساواة التامة بين المواطنين دون تمييز بسبب الانتماء القومي أو الديني أو السياسي ، وتضمن الحلول للقضايا الوطنية العالقة ، وتحقيق الحقوق القومية الديمقراطية للشعب الكردي في إطار وحدة البلاد وبما يخدم تقدمها وتطورها ..
* جـريدة صـادرة عـن مـكـتب الثقـافـة والإعـلام المـركـزي لحــزب آزادي الكــردي في ســوريا – العدد (418) شباط 2010
لقراءة مواد العدد انقر هنا