م . حسين
المشهد الأول : إن عام 2009 الذي ودعناه كان عاماَ حافلاَ بالأحداث والمواقف والذي ترك الكثير من الآثار والدلالات وعلى أكثر من صعيد , فعلى صعيد البلاد و مواقف النظام و ضمن المحاولات الحثيثة منه والإدعاء بصوابية مواقفه بغية الخروج من العزلة الإقليمية والدولية التي أقحم البلاد فيها وذلك من خلال تصوير الوضع على أنه انتصار لنهجه وسياساته , وبالتالي تبرير مواقفه فيما يخص شؤون المنطقة وملفاتها ( اللبناني , والفلسطيني , والعراقي ...) , لقد تبين ومن خلال التغيرات التي طرأت على مواقف النظام الخارجية و على اللوحة السياسية في المنطقة بشكل عام و التطورات والتحركات اللاحقة أن مجمل الرهانات السابقة والتي كان يعتبرها النظام جزاًَ من منظومته الوقائية وحصانته تجاه الاستحقاقات المطروحة عليه قد سقطت وأن عليه أن يعيد النظر في تحالفاته الإقليمية والعودة إلى دائرة القرار العربي , وأن أهم ملفات المنطقة إلحاحاًَ للحل هو الملف النووي الإيراني وهناك توجه دولي جاد لإيجاد حل مناسب لهذا الملف ,إلا أن النظام الإيراني ومن خلال المساهمة في خلق بؤر التوتر في المنطقة كما في اليمن وما تقدمه من دعم للحوثيين تارةً , وفي غزة ولبنان تارةً أخرى , يحاول جاهداَ وفي استعراض للقوة إلهاء الرأي العام والمنطقة ولفت أنظارهم إلى قضايا أخرى , وفي هذا السياق أي سياق إيجاد الحلول للملفات المطروحة , يأتي الدور التركي الإقليمي والذي يراد منه استثمار نفوذه التاريخي وثقله وعلاقاته بدول المنطقة بما فيها إسرائيل في استقطاب سياسي جديد وعلى حساب الدور الإقليمي الإيراني , مما يمهد للتعامل مع إيران بصيغ وأساليب أكثر جدية أولها تشديد العقوبات الدولية عليها .
المشهد الثاني : يعرف السوريون عمومأَ وعلى اختلاف انتماءاتهم ومشاربهم ومن خلال تجربتهم المديدة والخاصة , أن النظام وكلما وجد نفسه وشعر بنوع من الانفراج في علاقاته الدولية والإقليمية, كلما شدد قبضته الأمنية في الداخل ؛ محاولأَ إسكات أي صوت معارض وخاصة بعد انهيار حاجز الخوف الذي كان يلف المعارضة السورية بشكل عام , وتجلى ذلك في ممارسة كافة أشكال الضغط والترهيب والاعتقالات والتي طالت كافة ألوان الطيف السياسي الوطني , بدءً من قيادات إعلان دمشق , وقيادات من الصف الأول للأحزاب الكردية وانتهاء بالناشطين في مجال حقوق الإنسان , وممثلي فعاليات المجتمع المدني , لا بل وصلت الأمور إلى حد إجراء محاكمات شكلية وإصدار الأحكام الجائرة بحق المعارضين تراوحت مدتها ما بين ثلاث إلى عشر سنوات دون أي وجه حق وتحت يافطة من التهم الباطلة والبعيدة كل البعد عن الحقيقة من قبيل ( العمل على تغيير كيان الدولة الاقتصادي , نشر أنباء كاذبة لوهن نفسية الأمة , الانتماء إلى جمعية سرية محظورة , اقتطاع جزء من الأراضي السورية وإلحاقها بدولة أجنبية , إضعاف الشعور القومي , إثارة النعرات الطائفية , الانخراط في جمعية سياسية أو اجتماعية ذات طابع دولي , مناهضة أهداف الثورة ومقاومة النظام الاشتراكي , إثارة الحرب الأهلية , النيل من الوحدة الوطنية , النيل من هيبة الدولة ........إلخ ) , متوهماً أي النظام أنه بإمكانه إعادة الزمن إلى الوراء والتهرب من استحقاقات هذه المرحلة , وحجب الشمس بالغربال كما يقال , إن المصلحة الوطنية تتطلب الانفتاح على الداخل بما يضمن الحقوق الأساسية للمواطن السوري , بكافة مكوناته وأطيافه , من خلال دستور عصري للبلاد يقر و يضمن فصل السلطات الثلاث , التشريعية والقضائية والتنفيذية , كما يقر بوجود الشعب الكردي كثاني قومية في البلاد , ويضمن حقوقه القومية والديمقراطية
المشهد الثالث : على صعيد الوضع المعيشي للشعب السوري ونحن على أعتاب عقد جديد من الألفية الثالثة فقد بات إستشراء الفساد والرشوة في جميع مؤسسات الدولة معلماً من معالم هذه الدوائر والمؤسسات, ومع ازدياد وتيرة نهب المال العام , إلى حد بات فيه الفقر ملازماً للكثير من العائلات السورية, وتمركزت الأموال في يد فئة قليلة على حساب قوت الشعب , وازدادت معها وتيرة الهجرة الداخلية والخارجية , وخاصةً من المناطق التي تعتمد في معيشتها على الزراعة بشقيها النباتي والحيواني , بعد الارتفاع الغير طبيعي في أسعار مستلزمات الإنتاج من أسمدة ومحروقات , أما البدعة التي ابتكرتها الحكومة بالدعم الذي تقدمه لمادة مازوت التدفئة فهي تعمل على الإمعان أكثر في إذلال المواطن وإرباكه وإشغاله , بدلاً من تقديم المساعدة الحقيقية له والحفاظ على راحته . إن مجمل الأساليب والآليات المتبعة في إدارة شؤون البلاد , وفي كافة المجالات السياسية الاقتصادية والاجتماعية وفيما إذا استمرت في هذا المنحى , فسوف تؤدي بالبلاد والعباد إلى المزيد من الأزمات والمشاكل وهذا ما يشغل ويؤرق جميع الأوساط والفئات والقوى الوطنية في البلاد , ويجب أن يدفعهم إلى المزيد من التكاتف و النضال وبالأساليب السلمية والديمقراطية , من أجل إحداث التغيير الوطني الديمقراطي في البلاد .