بقلم: نارين عمر
مريم خان تلك المرأة الجبّارة التي تحدّتْ الأعرافَ والعادات والقوانين التي تكبّلُ كينونة المرأة وكيانها وشغافَ عواطفها ولدتْ في ( Dêregola Botanê, Bakurê Kurdistanê) في عام 1904 وقد أكّدَ الفنّان الكرديّ سعيد يوسف أنّها كانت جارية لدى عائلة ( علي رمو) رؤساء عشيرة (جيلكي علي رمو) و(عشائر هفيركا) ويأتي تأكيد الفنّان سعيد استناداً إلى ما أخبرته به السّيّدة والدته, ثمّ ونتيجة ظروفٍ قاسية اضطرت لمغادرةِ موطنها وتوجّهتْ نحو دمشق الشّام, وتؤكّد بعض المصادر ومن ضمنها ما بثته فضائية (Roj tv) في برنامجها ( أعلام الكرد) أنّها حين غادرت موطنها إلى دمشق, تعرّفتْ إلى أميرٍ بدرخاني ( لم يُذكر اسمه), ونشأتْ بينهما قصّة حبّ عميقة, تكلّلتْ بالزّواج أخيراً ما جعلها تشعرُ أنّها إحدى أسعد نساءِ الكون, ولكنّ قصّة حبّهما لم تدم إلا لأشهرٍ وانتهت بالطّلاق الذي سيغيّرُ مجرى حياتها تماماً نحو الأسوأ.
لكنّ الكاتبِ الكرديّ ( كونى ره ش) يشكّكُ في أمر هذا الزّواج, حين أكّدَ لي وهو المتخصّصُ بشؤون العائلة البدرخانية أنّه لم يسمع بهذه القصّة مطلقاً, ولم تخبره بها الأميرة ( روشن بدرخان).
ونتيجة ذلك تركتْ الشّام وتوجّهتْ نحو العراق, فسكنت العاصمة بغداد, وخلال تلك الفترةِ كان القسمُ الكرديّ في إذاعةِ بغداد قد افتتحَ, فشاركتْ فيه بجدّ ومثابرةٍ, حتى صارت فيما بعد رئيسة للقسم الكرديّ في الإذاعة, ونالتْ شهرةً واسعة فاقتْ كلّ التّوقّعاتِ وصار لها الرّأي السّديد والكلام المسموع.
حقّقتْ مريم خان خلال فترةِ عمرها القصير نجاحاً كبيراً وشهرة واسعة حتى صارتْ بحقّ وجدارةٍ سيّدة الغناءِ الكردي وما زالتْ, فلم تستطع حتى الآن أيّة مطربة كردية أن تفعل ما فعلته هي, ويُذكر أنّها أوّل امرأةٍ استطاعتْ أن تسجّل أغانيها على( Qewanan ê) باللهجةِ الكرمانجية.
النّاحية النّفسية لها:
إذا ما أخذنا بالرّأي القائلِ أنّها تزوّجتْ من أميرٍ بدرخاني, وانتهتْ مسيرة زواجهما القصيرة بالفشل والإخفاقِ, ثمّ هجْرتها وفرارها من موطنها إلى ديارِ الغربةِ وقساوةِ الظّروفِ وتقلّباتِ الزّمن والزّمان, إذا أخذنا بكلّ ذلك أدركنا مدى المعاناةِ التي كانت تطغى على هذه المرأة كإنسانٍ من لحمٍ ودمٍ, وكفنّانةٍ مفعمةٍ بالأحاسيسِ والمشاعرِ الصّادقة والرّقيقة.
أغاني مريم خان ذات طابعٍ قوميّ واجتماعي وفكري ووجدانيّ فغنّتْ للوطن والأرض والعشق وغنّتْ للمرأة ومن أجل المرأةِ لأنّها كانت تعرفُ أكثر من غيرها حجم المعاناة التي تحاصرُ كلّ امرأةٍ, وأرّخت في أغانيها لحروبٍ ومعارك بين الكردِ وأعدائهم وبين الكرد والكردِ أنفسهم بدافع العشيرة والقبيلة كما أرّخت لشخصياتٍ كردية ساهمتْ في صنع التّاريخ الكرديّ الحديث من رجال دين وقادة ووجهاء ورؤساء عشائر وفرسان وعشّاق ومغرمين .
ظلّ الحزنُ الذي رافقها كظلّها يطاردها باستمرارٍ في صحوتها ومنامها على الرّغم من كلّ ما كانت تبديه من قوّة وإرادةٍ صلبة, أهّلتها تنافسُ أمهرَ فنّاني الكردِ في ذلك الوقت فليسَ سهلاً على امرأةٍ عاشتْ أربعينياتِ القرنِ العشرين حيث المرأة كانت حبيسة الجدران الأربعة وحيث الرّجل يسيطرُ على كلّ ما هو داخلَ هذه الجدران وخارجها استطاعتْ أن تصبحَ رئيسة القسم الكردي في إذاعةِ بغداد وقبل ذلك تمارسَ الفنّ الذي لم تكن ممارسته حظراً على النّساءِ فقط بل حتى على الرّجال أيضاً, وبذلك تكون من النّساءِ الأوائل في العالم اللاتي تحدين المجتمعَ بكلّ قوانينه ومفاهيمه الصّارمة في العصر الحديث.
ولكن يبدو أنّ روحها المفعمة بالحبّ الصّادق والولع الشّديدِ للعشقِ والعشّاقِ وقلبها المغلّف بصدق المشاعرِ والأحاسيسِ الرّقيقةِ عجزا عن مقاومة الظّروفِ التي كانت أقوى وأكثر شراسة ما سمحتْ للمرض كي يتسلّلَ إليهما بشراسةٍ وعنفٍ ويعلن نهايتها المبكرة جدّاً ورحيل جسدها الطّري في عام 1949م ولكن دون أن يتمكن من التّسلّل إلى حنجرتها الذهبية التي ما زالتْ تصدحُ بأعذبِ الأنغام والألحان.
ويبقى السّؤالُ الذي لابدّ من أن نطرحه:
هناك إجحافٌ بحقّ هذه المبدعة ومثيلاتها اللواتي ضحينَ بشبابهنّ وسمعتهنّ وعلاقاتهنّ الاجتماعية لخدمةِ الفنّ الكردي وتطويره والحفاظِ عليه من الضّياعِ والتّشتّت, فعلى مَنْ تقعُ مسؤولية هذا الإجحاف؟ وما واجب الفنّانين والفنّاناتِ الكرد الشّباب تجاه أساتذتهم الكبار؟؟ والمؤسّساتُ والفرق الموسيقية والفنيّة الكردية ماذا عليها أن تفعل؟؟ والفضائياتُ الكردية التي يزداد عددها عاماً إثر عام ما عساها تفعلُ لهؤلاءِ العمالقة؟؟