صادفته في طريقي صدفة ، رجل في الأربعينات من عمره هاجر من وطنه " العراق " منذ سنوات ولم يعد ..
وأنا بدوري لم أره منذ فترة طويلة ..
سألته : كيف حالك يا صاحبي .
قال : أنا عاشق يا أبو جنكو .
ومن التي تعشقها ؟
قال لي : معلمتي ، ُمدرستي في دورة اللغة الألمانية .
قلت له : خيرا ً إن شاء الله ، وتركته .
بعد يومين صادفته قرب مقهى الدراويش ، المقهى الشرقي الذي يقدم الشـــــاي بخمسين سنتا ًفقط ، وجدتها فرصة فدعوته لشرب فنجان شاي معي .
سألته : ما لخطب ؟
قال لي : والله لا أستطيع النوم .. أراها في وجهي في المرآة ، في النوم واليقظة ، أصبح حبها داءا ً يقتلني رويدا ً رويدا ..
قلت له : خفف عنك يا هذا ، بنات الحلال كثيرات هذ ه الأيام ، ومن هي المدام ؟
قال : معلمة اللغة ، فاتحتها بحبي فاعتذرت قائلة أن لها صديق .
وماذا تعتقد ، طالما لها صديق ، لن تغيره بآخر .
قال - كذلك قال لي البعض ، قالوا لي أن البعض ممن لادين له ، يصادق دون زواج .
قلت له ، لا ، هذا الكلام غير صحيح ، فجارتي عمرها 87 عاما ، وزوجها حوالي التسعين ، دعيناهما (زوجتي وأنا ) إلى بيتنا مرارا ً ، وذات يوم قلت له معقبا على صورة تجمعه بفتاة عندما كان شابا ، يقف إلى جانبها : أكنتما عاشقين قبل أن تتزوجا ن ؟
قال لي : نحن لم نتزوج ، ولا نزال أصدقاء .
هذين الزوجان ، متدينان ، وأخلاقيان ، ومؤدبان ..
الصداقة هنا صادقة ، لا يخون أحدهما الأخر .. وهذا يعني أنه يمكنك أن تقول عن معلمتك بأنها متزوجة .
قال : ولكن لا أستطيع إلا أن أفكر بها ..
اتركها ، ياأخي اتركها ، الزواج من أوربيات متعب للغاية .
ففي زواجك من أوربية يجب أن تعرف لغتها 95% ..
يجب أن تقرأ ما تقول قبل النطق بالكلمة .. تصور ففي اللغة العربية يقال عن القرآن الكريم أن كل حرف فيه له مد .. ورغم ذلك " نفهمها على الطاير " ، بينما عندما تتكلم الألمانية مثلا ً ، وتغير من لكنة الحديث ، يقول لك المخاطب : عفوا لم أفهم عليك .
يقال في أمثلتنا الشعبية : " اللي ما بياخد من ملته ، بيموت بعلته *"
قال : ولكن ربما لاتحب صديقها !!
قلت : ولماذا تعيش على التخمين ؟
لو لم تكن تحبه ستحب غيره ، لكن وعدم المؤاخذة المرأة تريد أن تحاور من تحب بلغتها وأنت لا تزال تتعلم .. اتركها .
قال : لا أستطيع . لقد كشفت حبها لي منذ أول أيام الكورس ، لد اقتربت مني وهي تحرك ماوس الكومبيوتر .
قلت له ربما تكون صدفة .
قال ، وذات مرة كانت خلف الطاولة ، حركت رجلي نحو اليمين ، فحركت رجلها نحو اليمين ، وحركت رجلي نحو اليسار فحركت رجلها نحو اليسار ، ماذا تقول في ذلك ؟
أقول ياصاحبي اتركها ، أرسل لأهلك يخطبوا لك امرأة من بلدك ، ابنة الجيران ، ابنة عمك ، أي امرأة من الوطن .
قال لي : أنا متزوج وعندي أربعة أولاد .
قلت له : وفر حبك لزوجتك وأولادك إذا ً ، وإقرأ ما كتبته عن الحب من بعيد ، إقرأ قصتي "حب على ورق" .
في اليوم التالي اتصل بي ، رجاني أن آتيه إلى مقهى الإنترنيت للضرورة ..
لما حضرت أخرج من جيبه اسم لفتاة لم اعد أتذكر منه إلا الشق الثاني من عائلتها " باور " وهو اسم دارج بين الألمان والنمساويين .
قال لي من فضلك ابحث لي عن رقم هاتفها ..
بحثت له دون جدوى لأن رقمها غير وارد في دليل الهاتف .
قال : ربما تجده في ال google أرجوك إبحث لي عنه في ال google
بحثت له عنه في ال google .. عثرنا على عناوين لأسم دون الكنية ، ولكنية بغير اسم كان هناك اسم لرجل اسمه ماريو .
قال لي هذا هو ، قل لصاحب المقهى أن يطبعه ،
فقلت له : ولكن ..!!
جاوبني من فضلك بدون لكن ، أرجوك قل له أن يطبعه .
قلت لصاحب المقهى وهو مصري : " أخي اطبعنا هالعنوان "
فطبعه.
في اليوم التالي : اتصل بي ، قال لي أرجوك أن تأتي إلى المقهى وتمسح الاسم من ال google ..
قلت له : ولكن هذه الأسماء ليست لمن تعني ، وهي موجودة بالأساس في ال google فاتركها .
قال : لا ، انت خزنته ، وأنت تمسحه ، وإلا " رح تزعل مني "
" شو هالمصيبة ؟ " ، قلتها في نفسي ، ثم قلت له : غدا ً نلتقي في المقهى .
قال : لا ، اليوم من فضلك ، لأنه إذا قرأت المرأة اسمها " رح تزعل مني" أرجوك .
قلت له :يا أخي أنا بعيد عن المدينة تقريبا 60كم اتركها لبكرا .
قال : سأنتظرك في المقهى ، أرجو أن لا تتأخر . وأغلق الهاتف .
في المساء عدت تعبا ً ، فوجدته ينتظرني بالقرب من المقهى على الرصيف وهو متلفح بأغطية سوداء .... شال أسود ومعطف أسود وبنطال أسود .
ما لخطب ؟ سألته .
أجابني : تفضل .
قال لي : والله لم أنم ليلة أمس ، كوابيس نوم أزعجتني ، " طيرت النوم من عيني " حسبت مليون حساب ..
إذا المعلمة رأت اسمها في الgoogle كيف سيكون تصرفي ؟
ستعرف أني بحثت عنها .. وستعرف أني فكرت بها .. وستزعل .
قلت له : ياأخي هذا ليس اسم محبوبتك ، انه اسم بغير كنية ، ولا عنوان ..
ولن أستطيع مسحه من الكومبيوتر .. إنه لشخص لا نعرفه ...
دخلنا ، وكتبنا نفس الذي كتبناه قبل يومين ، قلت له راجيا ، أرجوك انسى ، اترك الموضوع وهيا بنا نخرج .
رد علي : لا ، كيف سنخرج واسم عائلتها في ال google ? إنها مشكلة ، أنت كتبته وأنت يجب أن تمسحه .
جاءه صاحب المقهى ، حاول إقناعه ، ثم زبونة ، وزبون آخر ، وتمع الزبائن حوله ولازال يصر ّ على مسح العنوان ..
في اليوم التالي اتصل ، لم أرد عليه لأني غيرت رقم الهاتف ، وانتقلت من المدينة .
= = = = = = = = = = =
* من لايأخذ من ملته ومن جماعته ، يموت معلولا ً .