م . بافي ژيـــن
ليس بمقدور أي منصف للحقيقة, إنكار الدور التاريخي للحركة السياسية الكردية- في سوريا- على مدى أكثر من نصف قرن, حيث ومن المفترض أنها سعت وعلى الدوام, إلى البحث عن مستلزمات وآليات جديدة, تمكنها من تنويع وتسريع وتيرة النضال وبما تتطلبه الظروف الذاتية والموضوعية, كما لا يستطيع المرء أن يتجاهل التضحيات الجسام التي قدمها الشعب الكردي, من أجل نيل الحرية للكرد, والديمقراطية لعموم البلاد, ولا شك بأن هذه التضحيات لم تقلل يوماً من أهمية ومشروعية المطلب الكردي بخصوص حقوقه القومية والديمقراطية العادلة, بل زادته قوة وصلابة في وجه النظم, التي تحاول عبثاً تجاهل الحقيقة التاريخية للشعب الكردي في سوريا, والعمل بالقوانين الاستثنائية الجائرة والمشاريع العنصرية, لشطب الكرد من ثلاثية المشهد الوطني السوري (العرب, الكرد, الأقليات القومية والدينية والمذهبية). إن التاريخ النضالي الطويل للعمل السياسي الكردي, يستدعي مراجعة نقدية شاملة من النخب الكردية, لتقويم أداء الحركة السياسية بواقعية تامة, وبعيداً عن التشويه والتجريح والتهريج والمهاترات التي ألفناها في الآونة الأخيرة, من أقلام نكرة, دُسَتْ في شأنٍ لا تربطهم به رابط, وما يُرجى من النخب الحقيقية والفاعلة الوقوف مطولاً أمام أبرز المراحل السياسية والمحطات التنظيمية, التي مرت بها الحركة الكردية في سوريا, وما رافقتها من أزمات بنيوية حادة, بغض النظر عن مشروعيتها، ودلالتها الموجبة أو العكس, وذلك بدءاً من مرحلة التأسيس (1927- 1957) ومروراً بفترات الاعتقال لمعظم قادة الحركة (1959- 1960) ووصولاً إلى انقسام الحزب أفقياً (1965) بين ما سمي بالتيار اليميني بقيادة الأستاذ عبد الحميد درويش, واليساري بقيادة المرحوم عثمان صبري, حيث تعالت نبرة الخلاف بين الطرفين حول العديد من المفاهيم والرؤى الفكرية والسياسية, واشتدّ صراع تآكل الذات إلى عام(1970) تاريخ انعقاد المؤتمر الوطني برعاية المرحوم مصطفى البارزاني ودعوته المخلصة لطرفي الصراع وبعض الشخصيات الوطنية بهدف إعادة اللحمة إلى كيان الحزب, علماً أن المبادرة لم تنجح رغم صدقيتها ونبل أهدافها؛ بل تأسس فصيل ثالث بُعيد المؤتمر برئاسة المرحوم دهام ميرو وبعض الشخصيات الوطنية المستقلة التي حضرت المؤتمر, فلم يمضِ طويل من الوقت, حتى تتالت الانقسامات غير المبررة في جسد الفصائل الثلاث؛ فأنهكتها وأفقدتها القدرة على النهوض بقضية شعب محروم من أبسط حقوقه القومية والإنسانية, وأضحت الحركة السياسية الكردية, عاجزة عن أداء دورها الريادي, في قيادة نضال الشعب, بل راحت تسير في الاتجاه المعاكس من اهتمامات الجماهير وتطلعاته القومية .
إن الوضع الراهن للحركة السياسية, وبكل تجلياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وحالة الضعف والوهن والتشتت؛ لا يبهج أحداً عدا الخصوم, لذا فالمرحلة الحرجة التي نمر بها لا تستوجب جلد الذات من لدن المهتمين بالشأن العام, بقدر ما يتطلب منا جميعاً, التفكير ملياً بمصير الشعب الذي يعاني ما يعانيه، والبحث المضني عن الحلول الناجعة لأزمة الحركة, وحث القيادات الكردية على تجنب الأنانية الشخصية, والتحلي بقدر من الشجاعة لنكران الذات ووضع المصلحة القومية فوق المصالح الحزبية الضيقة, والركون إلى التاريخ النضالي للأمة الكردية, وتاريخ الشعوب في مراحل تحررها القومي, والاستفادة من زخم تجاربهم, في الاتجاهين السلبي والإيجابي, والتعرف إلى مكامن الضعف, ونقاط القوة, لتغدو برنامج عمل, للانطلاق نحو بناء وتعزيز حركة سياسية, تليق بمكانة شعبنا وطموحاته القومية في الحرية وحق الحياة, كما يتطلب أيضاً من بعض النخب الكردية,(البعض وليس الكل)النزول من بروج الوهم وهالة العظمة التي أحاطوا بها أنفسهم, والعمل الجاد على فك رباط الشللية القاتلة والابتعاد عن الغيرة المفرطة تجاه الآخر المختلف, والتي تلهيهم عن ممارسة دورهم الرقابي والتنويري, وأداء المهام الملقاة على عاتقهم, كطليعة واعية, نذرت نفسها لخدمة شعوبها ومجتمعاتها في شتى المجالات, علماً أن الأزمة المستفحلة التي تعاني منها معظم الأطراف الكردية, تنعكس سلباً على المناخ العام للنخب الكردية, وتسبب حالة من الاغتراب بين السياسي والثقافي, لا بل تزيد من التوتر والإرباك في العلاقة البينية لدى المثقفين أنفسهم, وبالتالي تشكل تهديداً جدياً للكيان السياسي والثقافي في المجتمع برمته . إن الشعب الكردي وقواه السياسية, أمام خيارات صعبة ومصيرية في ظل الأجواء المستجدة التي تشهده العالم, في العهد(الأوباموي) وما يلوح في الأفق, من تبدل في المفاهيم, وتغيير في المواقف والمواقع, في منطقة الشرق الأوسط ,والتوجه نحو تجزئة المسارات المختلفة, والفصل بينها والعمل على حلها ضمن دوائر ضيقة, وبما يتوافق مصالح القوى الكبرى, وتالياً تراجع أركان ما سمي بالنظام الكوني الجديد,عن دعم ومساندة الشعار الذي تغنى له ردحاً من الزمن (( الديمقراطية وحقوق الإنسان)) وتراقصت الشعوب على صدى أنغامها بعض الوقت, لذا فإن البحث عن خلق أجواء جديدة لتأمين مستلزمات الظروف الذاتية للحركة السياسية الكردية, باتت أكثر إلحاحاً, ولا تقبل التأجيل البتة, وإزاء هذه الحالة, نحن أمام خيارات عدة, من أيسرها, أن تبحث أطراف الحركة عن تأمين المشتركات التي تجمعها, وهي أكبر بكثير مما تفرقها, عبر حوار جاد وغير مشروط وبعيد عن لاءات مسبقة- علماً أن الساحة الكردية لا تحتمل كتابة المزيد من المشاريع النظرية الفوقية, والتي تصطدم في كثير من الأحيان بحقيقة الواقع, وتفتقر إلى الآليات العملية للتنفيذ- وبمشاركة أطراف مستقلة وذات كفاءة عالية ومصداقية كبيرة في الوسط الكردي, تمتلك صلاحية التدخل للتقريب بين وجهات النظر المختلفة, عند الحاجة, للوصول إلى توقيع(برنامج الحد الأدنى), ومن ثم الانتقال إلى الخطوة اللاحقة,وهي التحضير الجيد لانعقاد مؤتمر عام تحضره كافة الفعاليات السياسية والاجتماعي والثقافية الكردية وفق نسب ومعايير متفق عليها مسبقاً, لينبثق عنه كيان سياسي مؤسساتي موحد, يتميز بالقدرة على قراءة الواقع الداخلي, والإقليمي والدولي بدقة متناهية, ويضع في الاعتبار, الاستفادة القصوى من ضرورات الداخل ومستجدات الخارج, وما تكمن بينها فسحة من المناورة في هذا الاتجاه أو ذاك. .
إن ضرورات وحدة الحركة الكردية في إطار متفق على تسميته, لا تزال قائمة, ولا تحتمل التأجيل, وإن فشل بعض التجارب الوحدوية أو تعثرها لا يعني أبداً التخلي عن شعار وحدة الحركة الكردية الذي يتصدر نشرات معظم الأحزاب ولكن دون العمل به؛ لذا فالوقت أمسى متأخراً, وينذر بالنفاد في تحقيق الحلم الكبير, الذي انتظرته الأجيال طويلاً (حركة سياسية موحدة) يديرها المخلصون من أبناء الكرد, والعقلاء من ساستهم ومثقفيهم, يضعون المصلحة القومية العليا فوق أي اعتبار آخر؛ فهل يتحول الحلم إلى حقيقة, ونحتفي بقدوم المولود الجديد الذي طال انتظاره....؟! أم أن الحلم الكردي في الوحدة, لن يتحقق, ويبقى خيالاً تراود مخيلة البسطاء, وستتترقبه الأجيال القادمة ....؟!!!